فصل: ثامناً: الجناية على الشّارب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سَوْم

التّعريف

1 - السّوم‏:‏ عرض السّلعة على البيع، يقال‏:‏ سمت بالسّلعة أسوم بها سوماً، وساومت واستمت بها عليها، غاليت، ويقال‏:‏ سمت فلاناً سلعتي سوماً إذا قلت‏:‏ أتأخذها بكذا من الثّمن‏.‏ والمساومة‏:‏ المجاذبة بين البائع والمشتري على السّلعة وفضل ثمنها‏.‏

قال الفيّوميّ‏:‏ سام البائع السّلعة سوماً عرضها للبيع، وسامها المشتري واستامها طلب بيعها‏.‏

وسامت الرّاعية والماشية والغنم تسوم سوماً‏:‏ رعت بنفسها حيث شاءت فهي سائمة، والسّوام والسّائمة‏:‏ الأنعام الرّاعية‏.‏ وأسامها هو وسامها‏:‏ رعاها‏.‏

والفقهاء يستعملون لفظ السّوم بمعنى الرّعي في الكلأ المباح في باب الزّكاة، وبمعنى عرض البائع سلعته بثمن ما ويطلبه من يرغب في شرائها بثمن دونه‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - النّجش‏:‏

2 - النّجش - بسكون الجيم - مصدر، وبالفتح اسم مصدر‏.‏ هو‏:‏ أن يزيد في الثّمن ولا يريد الشّراء أو يمدحه بما ليس فيه ليروّجه، ويجري في النّكاح وغيره‏.‏

والفرق بينه وبين السّوم أنّ النّاجش لا يرغب في الشّيء، والمساوم يرغب فيه‏.‏

ب - المزايدة‏:‏

3 - بيع المزايدة ويسمّى بيع الدّلالة‏:‏ أن ينادي على السّلعة ويزيد النّاس فيها بعضهم على بعض، حتّى تقف على آخر من يزيد فيها فيأخذها‏.‏ وهذا بيع جائز‏.‏

ما يتعلّق بالسّوم من أحكام

أوّلاً‏:‏ السّوم في الزّكاة

4 - من شروط وجوب زكاة الماشية كونها سائمةً في كلأ مباح وهذا عند جمهور الفقهاء

الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

واستدلّوا بما في كتاب الصّدّيق - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة‏.‏‏.‏‏.‏» الحديث‏.‏

فذكر السّوم في الحديث قيد يدلّ على نفي الوجوب في غير السّائمة‏.‏ واختصّت السّائمة بالزّكاة لتوفّر مؤنتها بالرّعي في كلأ مباح‏.‏

واشترط الجمهور أن تكون الإسامة للدّرّ والنّسل، لأنّ مال الزّكاة هو المال النّامي والمال النّامي في الحيوان بالإسامة إذ بها يحصل النّسل فيزداد المال‏.‏ فإن كانت السّائمة للحمل والرّكوب فلا زكاة فيها، لأنّها تصير كثياب البدن‏.‏

ويشترط أن تكون الإسامة أكثر العام لأنّ الأكثر له حكم الكلّ، وهذا عند الحنفيّة والحنابلة، وللشّافعيّة تفصيل‏:‏ فعندهم إن علفت معظم الحول فلا زكاة فيها، وهذا متّفق عليه عند الحنفيّة والحنابلة‏.‏

وإن علفت دون المعظم فالأصحّ‏:‏ إن علفت قدراً تعيش بدونه بلا ضرر بيّن، وجبت زكاتها لحظة المؤنة، وإن كانت لا تعيش في تلك المدّة بدونه أو تعيش ولكن بضرر بيّن فلا تجب الزّكاة فيها لظهور المؤنة‏.‏

واشترط الشّافعيّة فيه الإسامة من المالك فلو سامت الماشية بنفسها أو أسامها غاصب أو مشتر شراءً فاسداً فلا زكاة فيها في الأصحّ لعدم إسامة المالك، وإنّما اعتبر قصده لأنّ السّوم يؤثّر في وجوب الزّكاة فاعتبر فيه قصده‏.‏

وهذا مقتضى كلام الحنفيّة كما استظهر ابن عابدين‏.‏

أمّا عند الحنابلة فلا تشترط النّيّة، فلو سامت بنفسها أو أسامها غاصب ففيها الزّكاة كمن غصب حبّاً وزرعه في أرض ربّه، ففيه العشر على مالكه‏.‏

وينظر التّفصيل في بحث ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

أمّا المالكيّة‏:‏ فعندهم تجب الزّكاة في الماشية سواء أكانت سائمةً أم معلوفةً، وسواء أكانت عاملةً أم مهملةً، لعموم منطوق قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم في كتاب أبي بكر الصّدّيق‏:‏ «في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كلّ خمس شاة»‏.‏

والتّقييد بالسّائمة خرج مخرج الغالب لا للاحتراز، لأنّ الغالب في الأنعام في أرض الحجاز السّوم، والتّقييد إذا خرج مخرج الغالب لا يكون حجّةً بالإجماع‏.‏

وينظر التّفصيل في بحث ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ السّوم في البيع

5 - إذا كان السّوم قبل الاتّفاق والتّراضي على الثّمن فلا حرمة فيه ولا كراهة، لأنّه من باب المزايدة وذلك جائز‏.‏ أمّا بعد الاتّفاق على مبلغ الثّمن فمكروه عند الحنفيّة ومحرّم عند‏.‏ المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ وينظر تفصيل ذلك في مصطلح‏:‏ بيوع منهيّ عنها، ومزايدة‏.‏ ولكن البيع صحيح عند جمهور الفقهاء لاستكمال أركانه وشرائطه، وهو باطل عند الحنابلة إذا وقع زمن الخيارين ‏"‏ خيار المجلس وخيار الشّرط ‏"‏ لأنّ النّهي يقتضي الفساد‏.‏ وهذا في الجملة‏.‏

سِياسة

التّعريف

1 - للسّياسة في اللّغة معنيان‏:‏ الأوّل‏:‏ فعل السّائس‏.‏ وهو من يقوم على الدّوابّ، ويروّضها‏.‏ يقال‏:‏ ساس الدّابّة يسوسها سياسةً‏.‏

الثّاني‏:‏ القيام على الشّيء بما يصلحه‏.‏ يقال‏:‏ ساس الأمر سياسةً‏:‏ إذا دبّره‏.‏

وساس الوالي الرّعيّة‏:‏ أمرهم، ونهاهم، وتولّى قيادتهم‏.‏

وعلى ذلك فإنّ السّياسة في اللّغة تدلّ على التّدبير، والإصلاح، والتّربية‏.‏

وفي الاصطلاح تأتي لمعان‏:‏

2 - منها‏:‏ الأوّل‏:‏ معنًى عامّ يتّصل بالدّولة، والسّلطة‏.‏ فيقال‏:‏ هي استصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطّريق المنجّي في العاجل والآجل، وتدبير أمورهم‏.‏

وقال البجيرميّ‏:‏ السّياسة‏:‏ إصلاح أمور الرّعيّة، وتدبير أمورهم‏.‏ وقد أطلق العلماء على السّياسة اسم‏:‏ ‏"‏ الأحكام السّلطانيّة ‏"‏ أو ‏"‏ السّياسة الشّرعيّة ‏"‏، أو ‏"‏ السّياسة المدنيّة ‏"‏‏.‏ ولمّا كانت السّياسة بهذا المعنى أساس الحكم، لذلك سمّيت أفعال رؤساء الدّول، وما يتّصل بالسّلطة ‏"‏ سياسة ‏"‏ وقيل‏:‏ بأنّ الإمامة الكبرى - رئاسة الدّولة - موضوعة لخلافة النّبوّة في حراسة الدّين، وسياسة الدّنيا‏.‏

وعلى ذلك فإنّ علم السّياسة‏:‏ ‏"‏ هو العلم الّذي يعرف منه أنواع الرّياسات، والسّياسات الاجتماعيّة والمدنيّة، وأحوالها‏:‏ من أحوال السّلاطين، والملوك، والأمراء، وأهل الاحتساب، والقضاء والعلماء، وزعماء الأموال، ووكلاء بيت المال، ومن يجري مجراهم‏.‏

وموضوعه المراتب المدنيّة، وأحكامها، والسّياسة بهذا المعنى فرع من الحكمة العمليّة‏.‏ ولعلّ أقدم نصّ وردت فيه كلمة ‏"‏ السّياسة ‏"‏ بالمعنى المتعلّق بالحكم، وهو قول عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعريّ في وصف معاوية - رضي الله عنهم -‏:‏ ‏"‏ إنّي وجدته وليّ الخليفة المظلوم، والطّالب بدمه، الحسن السّياسة، الحسن التّدبير ‏"‏‏.‏

3 - المعنى الثّاني‏:‏ يتّصل بالعقوبة، وهو أنّ السّياسة‏:‏ ‏"‏ فعل شيء من الحاكم لمصلحة يراها، وإن لم يرد بذلك الفعل دليل جزئيّ ‏"‏‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - التّعزير‏:‏

هو تأديب على ذنب لا حدّ فيه، ولا كفّارة غالباً، سواء أكان حقّاً للّه تعالى، أم لآدميّ‏.‏ ومن نظر إلى العقوبة قال‏:‏ هو تأديب دون الحدّ‏.‏

أو قال‏:‏ عقوبة غير مقدّرة حقّاً للّه تعالى أو للعبد‏.‏

ولذلك قال ابن القيّم‏:‏ التّعزير لا يتقدّر بقدر معلوم‏.‏ بل هو بحسب الجريمة في جنسها، وصفتها، وكبرها، وصغرها‏.‏

وعنده أنّ التّعزير يمكن أن يزيد عن الحدّ‏.‏

وحجّته أنّ الحدّ في لسان الشّرع أعمّ منه في اصطلاح الفقهاء‏.‏

فالتّعزير أخصّ من السّياسة‏.‏

ب - المصلحة‏:‏

4 - المصلحة المحافظة على مقصود الشّرع‏.‏ ومقصود الشّرع من الخلق خمسة‏:‏

وهو أن يحفظ عليهم دينهم، ونفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم‏.‏ فكلّ ما يتضمّن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة‏.‏ وكلّ ما يفوّت هذه الأصول فهو مفسدة،ودفعها مصلحة‏.‏ أو بعبارة أخرى‏:‏ هي المحافظة على مقصود الشّرع بدفع المفاسد عن الخلق فالمصلحة هي الغرض من السّياسة‏.‏

الحكم التّكليفيّ

5 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّ للسّلطان سلوك السّياسة في تدبير أمور النّاس وتقويم العوج،وفق معايير وضوابط يأتي بيانها، ولا تقف السّياسة على ما نطق به الشّرع‏.‏ قال الحنفيّة‏:‏ السّياسة داخلة تحت قواعد الشّرع، وإن لم ينصّ عليها بخصوصها، فإنّ مدار الشّريعة - بعد قواعد الإيمان - على حسم موادّ الفساد لبقاء العالم‏.‏

وقال القرافيّ من المالكيّة‏:‏ إنّ التّوسعة على الحكّام في الأحكام السّياسيّة ليس مخالفًا للشّرع، بل تشهد له الأدلّة، وتشهد له القواعد، ومن أهمّها كثرة الفساد، وانتشاره، والمصلحة المرسلة الّتي قال بها مالك، وجمع من العلماء‏.‏

وقال أبو الوفاء بن عقيل من الحنابلة‏:‏ للسّلطان سلوك السّياسة، وهو الحزم عندنا، ولا يخلو من القول فيه إمام‏.‏ ولا تقف السّياسة على ما نطق به الشّرع‏.‏ إذ الخلفاء الرّاشدون - رضي الله عنهم - قد قتلوا، ومثّلوا، وحرقوا المصاحف‏.‏ ونفى عمر، نصر بن حجّاج، خوف فتنة النّساء‏.‏ واعتبروا ذلك من المصالح المرسلة‏.‏

وقد حذّر ابن القيّم من إفراط مَنْ منع الأخذ بالسّياسة، مكتفياً بما جاءت به النّصوص، وتفريط من ظنّ أنّ الأخذ بها يبيح لوليّ الأمر فرض ما يراه من عقوبة على هواه‏.‏‏.‏

ثمّ قال‏:‏ وكلا الطّائفتين أُتيت من تقصيرها في معرفة ما بعث اللّه به رسوله، وأنزل به كتابه‏.‏ فإنّ اللّه سبحانه أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم النّاس بالقسط، وهو العدل الّذي قامت به الأرض والسّموات‏.‏ فإن ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأيّ طريق كان، فثمّ شرع اللّه ودينه، فأيّ طريق استخرج بها العدل، والقسط، فهي من الدّين‏.‏

وأمّا الشّافعيّة فقد ذهبوا إلى أنّ السّياسة يجب أن تكون في حدود الشّريعة، لا تتعدّاها‏.‏ حتّى قالوا‏:‏ لا سياسة إلاّ ما وافق الشّرع‏.‏ وبذلك كانوا أبعد النّاس عن الأخذ بالسّياسة بالمعنى المراد عند الجمهور وهو عدم الاقتصار على ما وردت به نصوص بخصوصه‏.‏

أقسام السّياسة

6 - تقسم السّياسة إلى قسمين‏:‏ سياسة ظالمة، تحرّمها الشّريعة‏.‏

وسياسة عادلة تظهر الحقّ، وتدفع المظالم، وتردع أهل الفساد، وتوصّل إلى المقاصد الشّرعيّة، وهي الّتي توجب الشّريعة اعتمادها، والسّير عليها‏.‏

والسّياسة العادلة من الشّريعة، علمها من علمها، وجهلها من جهلها، وما يسمّيه أكثر السّلاطين الّذين يعملون بأهوائهم، وآرائهم - لا بالعلم - سياسةً فليس بشيء‏.‏

وقد كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الرّاشدون يسوسون النّاس في دينهم، ودنياهم، فكان الحكم والسّياسة شيئاً واحداً‏.‏ ثمّ لمّا اتّسعت الدّولة ظهر الفصل بين الشّرع، والسّياسة لأنّ أهل السّلطة صاروا يحكمون بالأهواء من غير اعتصام بالكتاب والسّنّة‏.‏

قال ابن القيّم‏:‏ تقسيم بعضهم طرق الحكم إلى شريعة وسياسة، كتقسيم غيرهم الدّين إلى شريعة وحقيقة، وكتقسيم آخرين الدّين إلى عقل ونقل‏.‏‏.‏ وكلّ ذلك تقسيم باطل‏.‏ بل السّياسة، والحقيقة، والطّريقة، والعقل، كلّ ذلك ينقسم إلى قسمين‏:‏ صحيح، وفاسد‏.‏ فالصّحيح قسم من أقسام الشّريعة لا قسيم لها، والباطل ضدّها، ومنافيها، وهذا الأصل من أهمّ الأصول، وأنفعها‏.‏ وهو مبنيّ على حرف واحد، وهو عموم رسالته صلى الله عليه وسلم بالنّسبة إلى كلّ ما يحتاج إليه العباد في معارفهم، وعلومهم وأعمالهم، وأنّه لم يحوج أمّته إلى أحد بعده، وإنّما حاجتهم إلى من يبلّغهم عنه ما جاء به‏.‏

حسن سياسة الإمام للرّعيّة

7 - إنّ للسّياسة أثراً كبيراً في الأمّة، فحسن السّياسة ينشر الأمن، والأمان في أنحاء البلاد‏.‏وعندئذ ينطلق النّاس في مصالحهم وأموالهم مطمئنّين، فتنمو الثّروة، ويعمّ الرّخاء، ويقوى أمر الدّين‏.‏

ولا يمكن أن يتحقّق ذلك إلاّ إذا كانت للإمام سياسة حازمة، تهتمّ بكلّ أمور الأمّة، صغيرها وكبيرها، وترغّب النّاس بفعل الخيرات، وتثيب على الفعل الجميل، كما تحذّر من الشّرّ، والفساد، وتعاقب عليه، وتقطع دابر دعاته ومقترفيه وبغير هذه السّياسة تضعف الدّولة، وتنهار وتخرب البلاد‏.‏

والسّياسة الحازمة المحقّقة لخير الأمّة هي الّتي يكون فيها الإمام بين اللّين والعنف، ويقدّم اللّين على الشّدّة، والدّعوة الحسنة على العقوبة‏.‏

وعليه أن يهتمّ بإصلاح دين النّاس، لأنّ في ذلك صلاح الدّين والدّنيا‏.‏

وأعظم عون على ذلك ثلاثة أمور‏:‏

الأوّل‏:‏ الإخلاص للّه تعالى، والتّوكّل عليه‏.‏

والثّاني‏:‏ الإحسان إلى الخلق بالنّفع والمال‏.‏

والثّالث‏:‏ الصّبر على أذى الخلق، وعند الشّدائد‏.‏

قواعد السّياسة

أسس السّياسة الشّرعيّة العامّة‏:‏ هي تلك القواعد الأساسيّة الّتي تبنى عليها دولة الإسلام، ويستلهم منها النّهج السّياسيّ للحكم‏.‏

الأساس الأوّل‏:‏ سيادة الشّريعة

8 - يؤكّد القرآن الكريم هذه السّيادة في أكثر من موضع‏.‏ من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ‏}‏‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ ألا له الحكم والقضاء دون سواه من جميع خلقه، وذلك حقّ في الدّنيا والآخرة، لأنّ مبنى الحساب في الآخرة إنّما يقوم على عمل النّاس في الدّنيا‏.‏ ولا يحاسب النّاس على ما اجترحوا في الدّنيا إلاّ على أساس هذه الشّريعة الّتي جاءت أحكامها منظّمةً للحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة، والاقتصاديّة، وأمور المعاملات الأخرى‏.‏

9- وما دامت الحاكميّة في هذا العالم لشريعة اللّه تعالى في كلّ شؤون الحياة، وإلى آخر الزّمان، فإنّ الكثير من الآيات جاءت آمرةً بتطبيق أحكامها، واتّباع ما أمرت به، وترك ما نهت عنه‏.‏ من ذلك قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قال ابن جرير‏:‏ فاتّبع تلك الشّريعة الّتي جعلناها لك، ولا تتّبع ما دعاك إليه الجاهلون باللّه الّذين لا يعرفون الحقّ من الباطل، فتعمل به، فتهلك إن عملت به، وهو قول ابن عبّاس وقتادة وابن زيد‏.‏

وقال الزّمخشريّ‏:‏ فاتّبع شريعتك الثّابتة بالدّلائل والحجج، ولا تتّبع ما لا حجّة عليه من أهواء الجهّال ودينهم المبنيّ على هوًى وبدعة‏.‏ ومن ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ‏}‏ يعني الكتاب والسّنّة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا‏}‏، وقالت فرقة‏:‏ هذا أمر يعمّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأمّته‏.‏ والظّاهر أنّه أمر لجميع النّاس دونه‏.‏ أي‏:‏ اتّبعوا ملّة الإسلام والقرآن، وأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه، وامتثلوا أمره، واجتنبوا نهيه‏.‏ ودلّت الآية على ترك اتّباع الآراء مع وجود النّصّ‏.‏

10 - وممّا يؤكّد أنّ الأمر باتّباع ما أنزل اللّه تعالى لا يخصّ القرآن فحسب، بل يعمّ السّنّة أيضاً، ما جاء في عدد من الآيات من الأمر باتّباعها وتطبيقها‏.‏ من ذلك قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ‏}‏‏.‏

حقّ الإمام في وضع الأنظمة المستنبطة من الشّريعة

11 - تقرير مبدأ سيادة الشّريعة لا يعني حرمان الإمام، ومن دونه أهل الحكم والسّلطة من حقّ اتّخاذ القرارات، والأنظمة الّتي لا بدّ منها لسير أمور الدّولة‏.‏

ذلك لأنّ نصوص الشّريعة محدودة، ومتناهية، وأمّا الحوادث، وتطوّر الحياة، والمسائل الّتي تواجه الأمّة والدّولة معاً، فغير محدودة، ولا متناهية‏.‏ ولا بدّ للإمام، وأهل الحكم من مواجهة كلّ ذلك بما يرونه من أنظمة، ولكن هذا الحقّ ليس مطلقاً، وإنّما هو مقيّد بما لا يخالف النّصوص الشّرعيّة، ولا يخرج على مبادئ الإسلام، وقواعده العامّة، وأن يكون ذلك لمصلحة الأمّة الواجبة الرّعاية، والّتي لأجلها قامت الدّولة، ولا يكون ذلك إلاّ بعد الرّجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص من الفقهاء وغيرهم‏.‏

الأساس الثّاني‏:‏ الشّورى

12 - الحكم أمانة، والإمام، ومن يتولّى السّلطة مسئولون عن تلك الأمانة‏.‏ لذلك كان من صفاتهم أنّهم لا يستبدّون برأي، ولا يغفلون عن الاستفادة من عقول الرّجال لقوله تعالى‏:‏

‏{‏وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ‏}‏‏.‏

وعليه، فإنّ من المقرّر فقهًا أنّ على الإمام مشاورة العلماء العاملين النّاصحين للدّولة وللأمّة، وأن يعتمد عليهم في أحكامه، كي يدوم حكمه، ويقوم على أساس صحيح‏.‏

وينظر مصطلح ‏(‏شورى‏)‏‏.‏

الأساس الثّالث‏:‏ العدل

13 - العدل هو الصّفة الجامعة للرّسالة السّماويّة الّتي جاء الرّسل عليهم الصلاة والسلام لتحقيقها، وإرشاد النّاس إليها، وحملهم عليها‏.‏ ففي القرآن الكريم‏:‏

‏{‏لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ‏}‏‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ‏}‏ الآية‏.‏

فالعدل أمر فرض اللّه سبحانه على المسلمين السّعي لإقامته في الأرض، وليكون من أبرز خصائصهم بين الأمم، لأنّ دينهم دين العدل‏.‏ حتّى قال عمر - رضي الله عنه - بأنّه ‏"‏ لا رخصة فيه في قريب، ولا بعيد، ولا في شدّة، ولا رخاء ‏"‏ وقال ابن تيميّة بوجوبه على كلّ أحد، وفي كلّ شيء‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏عدل‏)‏‏.‏

مصدر السّلطات

14 - نصب الإمام واجب شرعاً ويتعيّن الإمام بالبيعة من أهل الحلّ والعقد، والإمام مكلّف بأحكام الشّريعة، وملزم بالحلال، والحرام، ومسئول عن ذلك كأيّ مسلم في الأمّة، وهو فوق ذلك مسئول عن تطبيق تلك الأحكام في كلّ شأن من شئون الدّولة، لأنّه بمنصبه أقوى رجل في الأمّة ووجبت عليها طاعته‏.‏

وانظر مصطلح‏:‏ ‏(‏طاعة، الإمامة الكبرى، بيعة‏.‏‏)‏‏.‏

أنواع السّياسة الشّرعيّة

أوّلاً‏:‏ السّياسة الشّرعيّة في الحكم

الإمامة‏:‏

15 - من الثّابت أنّ الإسلام دين ودولة، لأنّ القرآن الكريم هو كتاب عقيدة، كما هو كتاب أحكام، وقواعد تنظّم صلة الإنسان بالإنسان، والإنسان بالمجتمع، والمجتمع المسلم بغير المسلم في حالة السّلم، والحرب‏.‏

وهو إلى جانب ذلك يحوي كلّ أنواع الحقوق، وفروعها‏.‏ فالحقوق المدنيّة إلى جانب الحقوق الجزائيّة، والاقتصاديّة، والماليّة، والتّجاريّة، والدّوليّة بفرعيها العامّة والخاصّة‏.‏

ولم تكن هذه الحقوق مواعظ متروكةً لرغبة الإنسان، وإنّما هي أحكام آمرة، واجبة التّنفيذ، وهذا لا يكون إلاّ بقيام الدّولة‏.‏

وهذه الدّولة لا بدّ لها من إمام ‏"‏ رئيس ‏"‏ يتولّى أمورها، كما يسهر على مصلحة الأمّة وقد أرشد القرآن الكريم إلى ذلك بهذه الآية المجيدة‏:‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏

قال القرطبيّ‏:‏ هذه الآية أصل في نصب إمام وخليفة يسمع له ويطاع، لتجتمع به الكلمة، وتنفّذ به أحكام الخليقة‏.‏

وفي السّنّة أنّ رسول اللّه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «لا يحلّ لثلاثة نفر يكونون بأرض فلاة إلاّ أمّروا عليهم أحدهم»‏.‏ وقال‏:‏ «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمّروا أحدهم»‏.‏

قال الشّوكانيّ‏:‏ وإذا شرع هذا لثلاثة يكونون في فلاة من الأرض، أو يسافرون، فشرعيّته لعدد أكثر يسكنون القرى والأمصار، ويحتاجون لدفع التّظالم، وفصل التّخاصم، أولى وأحرى‏.‏ وفي ذلك دليل لقول من قال‏:‏ إنّه يجب على المسلمين نصب الأئمّة، والولاة، والحكّام‏.‏ ولمّا كان صلاح البلاد، وأمن العباد، وقطع موادّ الفساد، وإنصاف المظلومين من الظّالمين لا يتمّ إلاّ بسلطان قاهر، قادر لذلك وجب نصب إمام يقوم بحراسة الدّين، وسياسة أمور الأمّة، وهو فرض بالإجماع‏.‏

وأمّا صفات هذا الإمام وشروطه وما تنعقد به إمامته فتنظر في ‏(‏الإمامة الكبرى، وبيعة‏)‏‏.‏

حقوق الإمام

16 - ذهب الماورديّ، وأبو يعلى إلى أنّ للإمام حقّين‏:‏ الطّاعة، والنّصرة‏.‏

وقال ابن جماعة‏:‏ إنّها عشرة حقوق‏:‏ الطّاعة، والنّصيحة، والتّعظيم والاحترام، والإيقاظ عند الغفلة والإرشاد عند الخطأ، والتّحذير من كلّ عدوّ، وإعلامه بسيرة عمّاله، وإعانته، وجمع القلوب على محبّته، والنّصرة‏.‏

وهذه الحقوق لا تكون للإمام إلاّ إذا أطاع اللّه سبحانه، ولزم فرائضه، وحدوده، وأدّى للأمّة حقوقها الواجبة عليه‏.‏ وبرعاية الأمّة هذه الحقوق تصفو القلوب، وتجتمع الكلمة، ويتحقّق النّصر‏.‏

وأمّا فيما سوى ما تقدّم، فإنّ الإمام واحد من النّاس، يستوي معهم جميعاً في الحقوق والأحكام‏.‏ بل يجب أن يكون أكثر النّاس خشيةً للّه تعالى‏.‏ وأحسنهم قياماً بأداء فرائضه، واتّباع أوامره، لأنّه رأس الدّولة‏.‏

واجبات الإمام

17 - حقوق الأمّة الّتي هي واجبات الإمام يمكن أن تجمع في عشرة‏:‏

أولاً‏:‏ حفظ الدّين، والحثّ على تطبيقه، ونشر العلم الشّرعيّ، وتعظيم أهله، ومخالطتهم ومشاورتهم‏.‏

ثانياً‏:‏ حراسة البلاد، والدّفاع عنها، وحفظ الأمن الدّاخليّ‏.‏

ثالثاً‏:‏ النّظر في الخصومات، وتنفيذ الأحكام‏.‏

رابعاً‏:‏ إقامة العدل في جميع شئون الدّولة‏.‏

خامساً‏:‏ تطبيق الحدود الشّرعيّة‏.‏

سادساً‏:‏ إقامة فرض الجهاد‏.‏

سابعاً‏:‏ عمارة البلاد، وتسهيل سبل العيش، ونشر الرّخاء‏.‏

ثامناً‏:‏ جباية الأموال على ما أوجبه الشّرع من غير عنف، وصرفها في الوجوه المشروعة، وعلى المستحقّين، من غير سرف، ولا تقتير‏.‏

تاسعاً‏:‏ أن يولّي أعمال الدّولة الأمناء، النّصحاء، أهل الخبرة‏.‏

عاشراً‏:‏ أن يهتمّ بنفسه بسياسة الأمّة، ومصالحها، وأن يراقب أمور الدّولة، ويتصفّح أحوال القائمين عليها‏.‏

تعيين العمّال وفصلهم

أ - تعيين العمّال‏:‏

18 - لا يستطيع الإمام أن يتولّى أمور الحكم كلّها بنفسه دون أن يعاونه في ذلك عمّال يعيّنهم‏.‏ وكلّما اتّسعت أمور الحكم، وتشعّبت زادت الحاجة إلى هؤلاء العمّال‏.‏

‏"‏ وهذه القضيّة بيّنة في ضرورات العقول لا يستريب اللّبيب بها ‏"‏‏.‏

وهذا «ما فعله الرّسول عليه الصلاة والسلام حين كان في المدينة‏.‏ فقد ولّى على مكّة المكرّمة عتّاب بن أسيد رضي الله عنه، وعلى الطّائف عثمان بن أبي العاص الثّقفيّ رضي الله عنه‏.‏ وبعث عليّاً ومعاذاً وأبا موسى رضي الله عنهم إلى اليمن‏.‏ وكان يؤمّر على السّرايا، ويبعث جباة الزّكاة ويرسل السّفراء إلى الملوك والقبائل»‏.‏

وعلى هذا النّهج سار الخلفاء الرّاشدون، ومن بعدهم‏.‏

وقد أقرّ الفقهاء بأنّ تعيين العمّال من واجبات الإمام‏.‏

ب - صفات العمّال‏:‏

19 - يجب على الإمام أن يولّي أهل الدّيانة، والعفّة، والعقل والأصالة، والصّدق، والأمانة، والحزم، والكفاية، وتكون الكفاية بحسب طبيعة العمل‏.‏

وعليه أن يختار الأمثل، فالأمثل، لحديث‏:‏ «مَنْ ولّى رجلاً على عصابة، وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى للّه منه، فقد خان اللّه ورسوله، وجماعة المؤمنين»‏.‏ وعليه أن يتجنّب التّعيين وفق هواه‏.‏ ولا يكون اختيارهم إلاّ بعد امتحان، وتجربة‏.‏

ج - ما يجب على الإمام نحو عمّاله‏:‏

20 - يجب على الإمام أن يأخذ جميع عمّاله بعدم الظّلم، قلّ أو كثر، وأن يعرّفهم أنّه لا فرق بينهم وبين سائر النّاس، لأنّ العامل الظّالم أعدى عدوّ للدّولة‏.‏

وعليه أن ينظر في أمور عمّاله، فإن وجد منهم من يستحقّ التّرقية رقّاه، ولا يجوز له أن يجعل التّرقية قفزاً دون سبب‏.‏

وإن وجد منهم مسيئاً حاسبه، وله أن يعفو عنه، إلاّ إذا كان ما آتاه يوجب حدّاً، أو تعدّى على حقّ من حقوق الرّعيّة، فلا بدّ من العقاب‏.‏

وعليه أن يعزل كلّ من يخلّ بواجب العمل إذا لم يمكن تقويمه‏.‏

ولا يتأتّى له ذلك إلاّ بدوام مراقبة العاملين في الدّولة، والوقوف على أمورهم وتصرّفاتهم، وعلاقتهم مع النّاس، والتزامهم بتنفيذ ما يأمر به من السّياسة‏.‏

ويعينه على هذه المهمّة جهاز دقيق يطلعه على جميع شئون الدّولة، والأمّة‏.‏

د - ديوان الموظّفين‏:‏

21 - يجب أن يكون في الدّولة ديوان يخصّ العاملين في أجهزتها المختلفة‏.‏

وينظر مصطلح ‏(‏ديوان‏)‏‏.‏

ثانياً‏:‏ السّياسة الشّرعيّة في المال

22 - يقصد بالأموال في هذا المجال‏:‏ أموال المصالح العامّة الواردة إلى خزينة الدّولة‏.‏ وهي تتألّف من أنواع ينظر بيانها وكيفيّة التّصرّف فيها في مصطلح ‏(‏بيت المال‏)‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ السّياسة الشّرعيّة في الولايات

ولاية الجيش

23 - لمّا كان الجيش للجهاد والدّفاع عن البلاد، لذلك وجب على الإمام العناية بترتيبه وإعداده، وتنظيم قيادته، وتفقّد أحواله، وتعرّف أحوال العدوّ، وإنّ تحقيق ذلك لا يتمّ إلاّ بتأمين الأموال اللّازمة لتسليحه، وإدارته، ودفع ما يستحقّه أفراده بشكل منظّم، وملائم‏.‏ وينظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏جهاد‏)‏‏.‏

النّظر في أمور القضاة

24 - إنّ القضاء منصب جليل وخطير، لأنّه يحقّق العدل في الأمّة، وعلى العدل تقوم الدّولة الصّالحة، وقد أحاطت الشّريعة هذا المنصب باحترام شديد، ونظّمت أحكامه، وقواعده، وصفات من يتولّاه، وأصول التّقاضي‏.‏

ويجب على الإمام أن يتفقّد أحوال القضاة، ويتحرّى عن أخبارهم، وعن سيرتهم في النّاس، وعن أحكامهم، ويسأل الثّقات الصّالحين عن كلّ ذلك‏.‏ وينظر مصطلح ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

النّظر في ولاية الصّدقات

25 - الزّكاة هي الرّكن الثّالث من أركان الإسلام، وقد تكلّفت النّصوص الشّرعيّة ببيان محلّها، ونصابها، وجبايتها، وأصول صرفها، ومستحقّيها‏.‏

ولذلك فإنّ على رئيس الدّولة أن يولّي أمور الزّكاة المسلم، العدل، العالم بأحكامها ليكون قادراً على الاجتهاد في تطبيقها‏.‏

وقد تكون ولايته شاملةً جباية الزّكاة، وقسمتها، وقد تكون للجباية دون القسمة، وقد تكون مطلقةً، فله إن شاء أن يقسمها، وله أن يترك القسمة‏.‏ أمّا إن كان مكلّفاً بأخذ مال محدّد من أموال الزّكاة، فلا يشترط فيه العلم بأحكامها، لأنّه عندئذ يكون كالوكيل بالقبض‏.‏

وانظر التّفصيل في مصطلح ‏(‏زكاة‏)‏‏.‏

السّياسة الشّرعيّة في شأن المخالفين من بغاة وغيرهم

26 - قد تخرج فئة مسلّحة منظّمة‏.‏ فإن كان خروجها على الدّين كانت مرتدّةً‏.‏

وإن كان خروجها على الإمام كانت فئةً باغيةً‏.‏

ولكلّ منهما في الفقه أحكام خاصّة انظر‏:‏ ‏(‏ردّة، بغاة، حرابة‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ السّياسة الشّرعيّة في العقوبة

أ - العقوبة سياسة‏:‏

27 - تنقسم العقوبة إلى‏:‏

- عقوبات مقدّرة شرعاً‏.‏ وهي الحدود، والقصاص‏.‏

- وعقوبات غير مقدّرة‏.‏ وهي التّعزير‏.‏

أمّا العقوبة سياسةً‏:‏ فتكون عند اقتراف جريمة، أو معصية، وبهذا ترادف التّعزير‏:‏ فقد صرّح الحنفيّة بأنّ النّبّاش لا يقام عليه حدّ السّرقة، فإن اعتاد النّبش أمكن أن تقطع يده، على سبيل السّياسة‏.‏ ر‏:‏ مصطلح ‏(‏سرقة‏)‏‏.‏

كما صرّحوا بأنّه قد تزاد العقوبة سياسةً‏.‏‏.‏ فإذا أقيم حدّ السّرقة، مثلاً، فقطعت يد السّارق، جاز حبسه حتّى يتوب‏.‏

كما صرّح الحنفيّة والمالكيّة‏:‏ بأنّ للإمام حبس من كان معروفاً بارتكاب جرائم ضدّ الأشخاص، أو الأموال، ولو لم يقترف جريمةً جديدةً‏.‏ ويستمرّ حبسه حتّى يتوب، لأنّ عثمان بن عفّان سجن ضابئ بن الحارث وكان من لصوص بني تميم، وفتّاكهم، حتّى مات في السّجن‏.‏

وكذلك يفعل مع من عرف بالشّرّ والأذى وخيف أذاه لأنّ ذلك ممّا يصلح اللّه به العباد والبلاد‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ عقوبة - تعزير‏)‏‏.‏

ب - التّغريب سياسةً‏:‏

28 - ثبت «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عزّر المخنّثين، وأمر بإخراجهم من المدينة المنوّرة، ونفيهم»‏.‏

وجاء عن عمر أنّه كان ينفي شارب الخمر إلى خيبر زيادةً في عقوبته‏.‏

ونفى نصر بن حجّاج لمّا خاف فتنة نساء المدينة بجماله، بعد أن قصّ شعره، فرآه زاد جمالاً‏.‏

ولذلك جاز نفي أمثال هؤلاء إلى بلد يؤمن فساد أهله‏.‏ فإن خاف به عليهم حبس‏.‏

وبهذا أخذ أحمد، لأنّ هذا ليس من باب المعاقبة، وإنّما من قبيل الخوف من الفاحشة قبل وقوعها‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ تغريب‏)‏‏.‏

وقد ورد «في السّنّة تغريب الزّاني غير المحصن بعد جلده في حديث زيد بن خالد»‏.‏

وهذا عند أكثر الفقهاء جزء من الحدّ، وقال الحنفيّة‏:‏ إنّه لا يغرّب حدّاً، وأجازوا تغريبه سياسةً،دون تحديده بسنة، بل بقدر ما يراه الإمام إذا كانت هناك مصلحة عامّة توجب ذلك‏.‏ وذهب الحنابلة إلى تحريم حبسه بعد الحدّ‏.‏ فإن لم ينزجر جاز للإمام حبسه حتّى يتوب‏.‏ وقيل‏:‏ حتّى يموت‏.‏

ج - القتل سياسةً‏:‏

29 - يجيز بعض الفقهاء القتل على سبيل السّياسة في جرائم معيّنة‏.‏

وانظر تفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏تعزير‏)‏‏.‏

من له حقّ العقوبة سياسةً

30 - للعلماء خلاف في تحديد من له حقّ فرض العقوبة سياسةً‏.‏‏.‏ هل هو الإمام، ونوّابه، أم هو القاضي‏؟‏‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏عقوبة، تعزير‏)‏‏.‏

سَير

انظر‏:‏ جهاد، غنائم، أمان، جزية‏.‏

سَيْف

التّعريف

1 - السّيف نوع من الأسلحة، معروف، وجمعه أسياف وسيوف وأسيف، ويقال بين فكّي فلان سيف صارم وهو مجاز عن كونه حديد اللّسان‏.‏ واستاف القوم وتسايفوا‏:‏ تضاربوا بالسّيوف، وسايفه‏:‏ ضاربه بالسّيف‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالسّيف

أوّلاً‏:‏ تطهير السّيف المتنجّس

2 - صرّح الحنفيّة أنّه إذا أصاب السّيف نجاسة اكتفى بمسحه، لأنّه لا تتداخله النّجاسة، وما على ظاهره يزول بالمسح، وقد ثبت عن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّهم كانوا يقتلون الكفّار بالسّيوف ويمسحونها ويصلّون بها‏.‏

وهذا إذا كان السّيف صقيلاً‏.‏ أمّا إذا كان به صدأ فلا يطهر إلاّ بالماء‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يعفى عمّا يصيب السّيف وما شابهه في الصّقالة من دم مباح، كالدّم في الجهاد، والقصاص، والذّكاة الشّرعيّة، سواء أمسحه من الدّم أم لا، على المعتمد عندهم، وهو قول ابن القاسم وذلك لفساده بالغسل‏.‏

وفي قول نقله الباجيّ عن مالك‏:‏ يعفى عمّا أصابه من الدّم المباح بشرط مسحه، لانتفاء النّجاسة بالمسح‏.‏ وهذا يفيد أنّ السّيف يطهر بالمسح‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يكفي مسحه ولو كان صقيلاً، بل يشترط لتطهيره إمرار الماء عليه وانتقال النّجاسة عنه‏.‏ ولم نجد عند الشّافعيّة نصّاً في الموضوع‏.‏

ثانياً‏:‏ اعتماد خطيب الجمعة على السّيف

3 - يستحبّ للخطيب يوم الجمعة أن يعتمد على قوس أو سيف أو عصاً، وذلك عند جمهور الفقهاء‏.‏ لما روى الحكم بن حزن الكلفيّ قال‏:‏ «وفدت إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأقمنا أيّاماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقام متوكّئاً على عصاً أو قوس‏.‏‏.‏‏.‏» الحديث ولأنّ ذلك أعون له‏.‏

وفصّل الحنفيّة فقالوا‏:‏ يخطب الإمام بسيف في بلدة فتحت عنوةً، كمكّة، وإلاّ لا كالمدينة‏.‏ كما صرّح به في الدّرّ المختار‏.‏

ثمّ نقل عن الحاوي القدسيّ أنّه إذا فرغ المؤذّنون قام الإمام والسّيف في يساره، وهو متّكئ عليه‏.‏

ثالثاً‏:‏ تقلّد السّيف للمحرم

4 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّ للمحرم أن يتقلّد السّيف والسّلاح، ويشدّ الهميان والمنطقة على وسطه، وذلك لعدم التّغطية واللّبس‏.‏

وقال المالكيّة والحنابلة‏:‏ لا يجوز له أن يتقلّد بالسّيف لغير حاجة، لقول ابن عمر - رضي الله عنهما -‏:‏ ‏"‏ لا يحلّ لمحرم السّلاح في الحرم ‏"‏‏.‏

وإذا تقلّد بلا عذر وجب عليه نزعه فوراً، كما صرّح به المالكيّة‏.‏ وفي وجوب الفدية عليه أو عدم وجوبها تفصيل ينظر في مصطلح ‏(‏إحرام ف /61 ج 2 /154‏)‏‏.‏

رابعاً‏:‏ تحلية السّيف بالذّهب والفضّة

5 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة إلى جواز تحلية السّيف وآلات الحرب بالفضّة‏.‏

وزاد المالكيّة‏:‏ وبالذّهب، سواء اتّصلت الحلية بأصله كالقبضة أو كانت في الغمد‏.‏

أمّا الشّافعيّة فقالوا‏:‏ لا يجوز تحلية شيء ممّا ذكر بالذّهب قطعاً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ لا يكره تفضيض نصل السّيف والسّكّين أو قبضتهما إذا لم يضع يده في قبضتهما‏.‏ وتفصيله في مصطلح‏:‏ ‏(‏ذهب، فضّة، وسلاح‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ استيفاء القصاص بالسّيف

6 - ذهب الحنفيّة وهو الأصحّ عند الحنابلة إلى أنّ القصاص لا يستوفى إلاّ بالسّيف سواء أكان ارتكاب الجريمة بالسّيف أم بغيره‏.‏ وإذا أراد الوليّ أن يقتل بغير السّيف لا يُمَكَّنُ من ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا قود إلاّ بالسّيف» «وللنّهي الوارد في المثلة»‏.‏

ولأنّ في القصاص بغير السّيف زيادة تعذيب فإن فعل،الوليّ به كما فعل فقد أساء بالمخالفة، ويعزّر، لكن لا ضمان عليه، ويصير مستوفياً بأيّ طريق قتله، سواء أقتله بالعصا أم بالحجر أم بنحوهما، لأنّ القتل حقّه‏.‏

وقال المالكيّة والشّافعيّة وهو رواية عند الحنابلة‏:‏ لأهل القتل أن يفعلوا بالجاني كما فعل، يقتل بمثل ما قتل‏.‏ لقوله تعالى ‏{‏وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ‏}‏ ولما ورد «أنّ يهوديّاً رضّ رأس امرأة مسلمة بين حجرين فأمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم أن يرضّ رأسه كذلك»‏.‏

ويستثنى القتل بالسّحر أو اللّواط أو الخمر أو نحوها من الممنوعات فلا يقتصّ في هذا بالمثل، وزاد المالكيّة القتل بما يطول كمنعه الطّعام أو الماء حتّى مات، ففي هذه الحالات يتعيّن الاستيفاء بالسّيف‏.‏

وتفصيل هذه المسائل في مصطلح ‏(‏قصاص، وانظر استيفاء ف /14‏)‏‏.‏

سَيْكُران

انظر‏:‏ أشربة‏.‏

شائع

انظر‏:‏ شيوع‏.‏

شاذّ

انظر‏:‏ شذوذ‏.‏

الشَّاذَرْوان

التّعريف

1 - الشّاذروان‏:‏ بفتح الذّال المعجمة وسكون الرّاء، هو من جدار البيت الحرام وهو الّذي ترك من عرض الأساس خارجاً ويسمّى تأزيراً، لأنّه كالإزار للبيت‏.‏

وقال ابن رشيد في رحلته‏:‏ ‏"‏ الشّاذروان لفظة أعجميّة، هي في لسان الفرس بكسر الذّال ‏"‏‏.‏ وعرّفوه تعريفاً أوضح بأنّه‏:‏ الإفريز المسلّم الخارج عن عرض جدار البيت قدر ثلثي ذراع‏.‏ وذكروا أنّه يمكن المشي عليه وبحثوا صحّة الطّواف فوقه، ممّا يدلّ على أنّ له سطحاً عريضاً، أمّا الآن فهو بارز من جدار الكعبة، ويمكن أن يمشي عليه أحد‏.‏

2 - واختلف في الشّاذروان هل هو من الكعبة أو لا‏؟‏‏.‏

فذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إلى أنّه من الكعبة، وعلّل بأنّه تركته قريش عند تجديد بنائها، كما تركت الحطيم‏.‏ ‏(‏ر‏:‏ حجر وكعبة‏)‏‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس من الكعبة، إنّما هو بناء وضع أسفل جدار الكعبة احتياطًا لدعم جدار الكعبة وتثبيته، خصوصًا لخوف السّيول في الأزمنة السّابقة‏.‏

وقد وافق الحنفيّة على مذهبهم جماعة من الفقهاء المتأخّرين من المالكيّة والشّافعيّة، فأنكروا كون الشّاذروان من البيت، فمن المالكيّة، الخطيب أبو عبد اللّه بن رشيد، وبالغ في إنكاره، ومال إلى رأيه الحطّاب المالكيّ‏.‏

واستدلّ ابن رشيد لقوله‏:‏ بأنّه لا توجد هذه التّسمية، ولا ذكر مسمّاها في حديث صحيح ولا سقيم ولا عن صحابيّ ولا عن أحد من السّلف فيما علمت، ولا لها ذكر عند الفقهاء المالكيّين المتقدّمين‏.‏

وقال أيضاً‏:‏ انعقد إجماع أهل العلم قبل طروء هذا الاسم الفارسيّ على أنّ البيت متحم على قواعد إبراهيم من جهة الرّكنين اليمانيّين، ولذلك استلمهما النّبيّ صلى الله عليه وسلم دون الآخرين‏.‏ وعلى أنّ ابن الزّبير لمّا نقض البيت وبناه إنّما زاد فيه من جهة الحجر، وأنّه أقامها على الأسس الظّاهرة الّتي عاينها العدول من الصّحابة وكبراء التّابعين، ووقع الاتّفاق على أنّ الحجّاج لم ينقض إلاّ جهة الحجر خاصّةً‏.‏

كما استدلّ بأنّ ابن الزّبير لمّا هدم الكعبة ألصقها بالأرض من جوانبها وظهرت أسسها وأشهد النّاس عليها، ورفع البناء على ذلك الأساس‏.‏

الحكم الإجماليّ

3 - اختلف الفقهاء في حكم دخول الشّاذروان ضمن الطّواف‏.‏

فذهب الجمهور إلى وجوب خروج جميع بدن الطّائف عن الشّاذروان، أي‏:‏ أن يكون داخلاً في ضمن ما يطوف حوله، وهذا عند المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏

وخالف الحنفيّة فلم يوجبوا ذلك وصحّحوا الطّواف فوقه‏.‏ قالوا‏:‏ ‏"‏ لكن ينبغي أن يكون طوافه وراءه خروجاً من الخلاف ‏"‏‏.‏

لكن من القائلين بمذهب الجمهور من لا يقول‏:‏ إنّ الشّاذروان من الكعبة‏.‏

وفرّع الشّافعيّة على ذلك فروعاً أوردها النّوويّ‏:‏

أ - لو طاف ماشياً على الشّاذروان ولو في خطوة لم تصحّ طوفته تلك، لأنّه طاف في البيت لا بالبيت‏.‏

ب - لو طاف خارج الشّاذروان وكان يضع إحدى رجليه أحياناً على الشّاذروان، ويثب بالأخرى لم يصحّ طوافه باتّفاق الشّافعيّة‏.‏

وواضح أنّ هذين الفرعين غير واقعين الآن، لأنّ الشّاذروان رفع من أعلامه مائلاً حتّى ينتهي بملاصقة جدار الكعبة‏.‏

ج - لو طاف خارج الشّاذروان وكان يمسّ الجدار بيده في موازاة الشّاذروان أو غيره من أجزاء البيت ففي صحّة طوافه وجهان، أصحّهما‏:‏ لا يصحّ‏.‏

شَارِب

التّعريف

1 - الشّارب‏:‏ اسم فاعل شرب، يقال‏:‏ شرب الماء أو غيره شرباً فهو شارب، ومنه قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ، فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ‏}‏‏.‏

ورجل شارب وشروب وشرّاب وشرّيب‏:‏ مولع بالشّراب كخمّير، والشّرب والشّروب‏:‏ القوم يشربون ويجتمعون على الشّراب، قال ابن سيده‏:‏ الشّرب اسم جمع لشارب، كركب ورجل، وقيل‏:‏ هو جمع، والشّروب جمع شارب، كشاهد وشهود‏.‏

والشّارب - أيضاً - اسم للشّعر الّذي يسيل على الفم، قال أبو حاتم‏:‏ ولا يكاد يثنّى، وقال أبو عبيدة‏:‏ قال الكلابيّون‏:‏ شاربان باعتبار الطّرفين، والجمع شوارب‏.‏

ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - اللّحية‏:‏

2 - اللّحية‏:‏ وهي - بكسر اللّام وفتحها - الشّعر النّابت على الذّقن خاصّةً، والجمع‏:‏ لِحىً وَلُحِيٌّ ما ينبت من الشّعر على ظاهر اللّحي، وهو فكّ الحنك الأسفل‏.‏

والشّارب واللّحية كلاهما من شعر الوجه، لكن الشّارب يكون على الشّفة العليا، واللّحية تكون على الذّقن‏.‏

ب - العذار‏:‏

3 - العذار عند أهل اللّغة والفقه‏:‏ هو الشّعر النّابت المحاذي للأُذنين بين الصّدغ والعارض وهو أوّل ما ينبت للأمرد غالباً‏.‏

والشّارب والعذار كلاهما من شعر الوجه، لكنّهما يختلفان في موضعهما من الوجه‏.‏

ج - العنفقة‏:‏

4 - العنفقة‏:‏ شعيرات بين الشّفة السّفلى والذّقن، وقيل‏:‏ العنفقة ما بين الذّقن وطرف الشّفة السّفلى كان عليها شعر أو لم يكن، وقيل‏:‏ العنفقة ما نبت على الشّفة السّفلى من الشّعر‏.‏

د - العثنون‏:‏

5 - العثنون‏:‏ اللّحية أو ما فضل منها بعد العارضين، أو ما نبت على الذّقن وتحته سفلاً‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالشّارب من الشّرب

6 - يطلق الشّارب - كما سبق في التّعريف - على من شرب الماء أو غيره، ولكن الشّارب الّذي عني الفقهاء بالأحكام المتعلّقة به هو شارب الخمر وسائر المسكرات‏.‏

وشرب الخمر من كبائر المحرّمات، بل إنّ الخمر أمّ الكبائر كما قال عمر وعثمان - رضي الله عنهما - والأصل في تحريمها، قول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

انظر‏:‏ ‏(‏أشربة، سكر‏)‏‏.‏

الأحكام المتعلّقة بالشّارب

الشّعر على الشّفة العليا‏:‏

أوّلاً‏:‏ تطهير الشّارب

أ - في الوضوء‏:‏

7 - اتّفق الفقهاء على أنّه يجب غسل الشّارب مع الوجه في الوضوء، وعلى أنّه يجب غسل بشرة الشّارب إذا كان خفيفاً بحيث لا يستر شعر الشّارب البشرة أي‏:‏ الجلد تحته، فإن لم تغسل البشرة أي‏:‏ لم يصل الماء إليها فلا يجزئ ذلك في الوضوء‏.‏

ولكن الفقهاء اختلفوا في وجوب إيصال الماء إلى بشرة الشّارب في الوضوء إذا كان الشّعر كثيفاً يستر البشرة‏:‏

فذهب الحنفيّة‏:‏ إلى أنّه لا يجب في الوضوء غسل باطن شعر الشّارب وإيصال الماء إلى البشرة تحته إذا كان كثيفاً، لكن الشّارب إذا كان طويلًا يستر حمرة الشّفتين، وجب تخليله لأنّه يمنع ظاهراً وصول الماء إلى جميع الشّفة أو بعضها، ولا سيّما إن كان كثيفاً، وتخليله محقّق لوصول الماء إلى جميعها‏.‏

وذهب المالكيّة‏:‏ إلى أنّه يجب في الوضوء مع غسل الوجه غسل ظاهر الشّعر إذا كان كثيفاً، ويكره تخليل الشّعر الكثيف على ظاهر المدوّنة‏.‏

وذهب الشّافعيّة‏:‏ إلى أنّه يجب في الوضوء مع غسل الوجه غسل الشّارب ظاهراً وباطناً وإيصال الماء إلى البشرة تحته وإن كثّف الشّعر، لأنّ كثافته نادرة فألحق بالغالب، والمراد بالظّاهر‏:‏ الطّبقة العليا ممّا يلي الوجه، وبالباطن‏:‏ خلال الشّعر والبشرة الّتي تحته، وقيل‏:‏ الظّاهر ما ظهر من الجهتين، والباطن ما بينهما وأصول الشّعر‏.‏

وذهب الحنابلة‏:‏ إلى أنّه يجب غسل الشّارب مع الوجه في الوضوء‏.‏

فإن كان شعر الشّارب كثيفاً، لا يصف البشرة أجزأ غسل ظاهره، ويسنّ تخليل الشّارب إذا كان كثيفاً وغسل باطنه خروجاً من خلاف من أوجبه، وقال ابن قدامة‏:‏ ومن أصحابنا من ذكر في الشّارب وجهاً آخر في وجوب غسل باطنه وإن كان كثيفاً، لأنّه يستر ما تحته عادةً، وإن وجد ذلك كان نادراً فلا يتعلّق به حكم‏.‏

ب - في الغسل‏:‏

8 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب في الغسل تعميم الشّارب شعراً وبشرةً بالماء، كثيفاً كان الشّارب أو خفيفاً، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إنّ تحت كلّ شعرة جنابةً فاغسلوا الشّعر وأنقوا البشر»‏.‏ ولما روى عليّ - رضي الله تعالى عنه - عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به من النّار كذا وكذا» قال عليّ - رضي الله عنه -‏:‏ ‏"‏ فمن ثمّ عاديت شعري ثلاثًا ‏"‏ وكان يجزّ شعره‏.‏

ولأنّ الحدث في الغسل من الجنابة عمّ جميع البدن فوجب تعميمه بالغسل، ولأنّ ما تحت الشّعر بشرة أمكن إيصال الماء إليها من غير ضرر، فلزم كسائر بشرته، ولأنّه شعر نابت في محلّ الغسل فوجب غسله، ولأنّ من ضرورة غسل البشرة غسله، فوجب غسله لأنّ الواجب لا يتمّ إلاّ به‏.‏

ج - إعادة التّطهّر بعد حلق الشّارب‏:‏

9 - ذهب الفقهاء إلى أنّ من توضّأ أو اغتسل ثمّ حلق شاربه، أو قصّه، لا يلزمه إعادة الوضوء والغسل، ولا يلزمه إعادة غسل محلّ الحلق أو القصّ، قال ابن قدامة - فيما يشمل هذه الحالة - ومتى غسل هذه الشّعور ثمّ زالت عنه لم يؤثّر ذلك في طهارته، قال يونس بن عبيد‏:‏ ما زاده ذلك إلاّ طهارةً، وهذا قول أكثر أهل العلم، لأنّ فرض الغسل انتقل إلى الشّعر أصلاً، بدليل أنّه لو غسل البشرة دون الشّعر لم يجزه، بخلاف الخفّين فإنّ مسحهما بدل عن غسل الرّجلين فيجزئ غسل الرّجلين دون مسح الخفّين‏.‏

وحكي عن ابن جرير أنّ ظهور بشرة الوجه بعد غسل شعره يوجب غسلها قياساً على ظهور قدم الماسح على الخفّ‏.‏

ثانياً‏:‏ الأخذ من الشّارب

10 - اتّفق الفقهاء على أنّ الأخذ من الشّارب من الفطرة، لما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «الفطرة خمس، أو خمس من الفطرة‏:‏ الختان والاستحداد وتقليم الأظفار ونتف الإبط وقصّ الشّارب»‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وتفسير الفطرة بالسّنّة هنا هو الصّواب، لما ورد في صحيح البخاريّ عن عبد اللّه بن عمر - رضي الله تعالى عنهما - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «من السّنّة قصّ الشّوارب ونتف الإبط وتقليم الأظفار»‏.‏

واتّفق الفقهاء على أنّ الأخذ من الشّارب من السّنّة، للحديثين السّابقين، ولما ورد عن زيد بن أرقم - رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «من لم يأخذ من شاربه فليس منّا»‏.‏

11 - لكن الفقهاء اختلفوا في ضابط الأخذ من الشّارب، هل يكون بالقصّ أم بالحلق أم بالإحفاء‏؟‏‏.‏

فأمّا الحنفيّة فقد اختلفوا فيما يسنّ في الشّارب، ونقل ابن عابدين الخلاف فقال‏:‏ المذهب عند بعض المتأخّرين من مشايخنا أنّه القصّ، قال في البدائع‏:‏ وهو الصّحيح، وقال الطّحاويّ‏:‏ القصّ حسن والحلق أحسن، وهو قول علمائنا الثّلاثة‏.‏

وأمّا طرفا الشّارب، وهما السّبالان، فقيل‏:‏ هما منه، وقيل‏:‏ من اللّحية وعليه فلا بأس بتركهما، وقيل‏:‏ يكره لما فيه من التّشبّه بالأعاجم وأهل الكتاب، وهذا أولى بالصّواب‏.‏ ونصّ الحنفيّة على أنّ توفير الشّارب في دار الحرب للغازي مندوب، ليكون أهيب في عين العدوّ‏.‏

ويستحبّ عندهم قصّ الشّارب كلّ أسبوع، والأفضل يوم الجمعة، ويكره تركه وراء الأربعين لما رواه أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال‏:‏ «وقّت لنا في قصّ الشّارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلةً» وهو من المقدّرات الّتي ليس للرّأي فيها مدخل فيكون كالمرفوع‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ قصّ الشّارب من الفطرة لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «قصّوا الشّوارب» وهو سنّة خفيفة، فليس الأمر في الحديث للوجوب، والسّنّة‏:‏ القصّ لا الإحفاء، والشّارب لا يحلق بل يقصّ، قال يحيى‏:‏ سمعت مالكاً يقول‏:‏ يؤخذ من الشّارب حتّى يبدو طرف الشّفة وهو الإطار، ولا يجزّه فيمثّل بنفسه‏.‏

وفي قصّ السّبالتين عندهم قولان‏.‏

والمعتمد عند المالكيّة أنّه يجب على المرأة حلق ما خلق لها من شارب‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ قصّ الشّارب سنّة للأحاديث الواردة في ذلك، ويستحبّ في قصّ الشّارب أن يبدأ بالجانب الأيمن، «لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحبّ التّيامن في كلّ شيء»‏.‏ وهو مخيّر بين أن يقصّ شاربه بنفسه أو يقصّه له غيره لأنّ المقصود يحصل من غير هتك مروءة‏.‏

وأمّا حدّ ما يقصّه‏:‏ فالمختار أن يقصّ حتّى يبدو طرف الشّفة، ولا يحفّه من أصله، قالوا‏:‏ وحديث‏:‏ «أحفوا الشّوارب‏.‏‏.‏‏.‏» محمول على ما طال على الشّفتين، وعلى الحفّ من طرف الشّفة لا من أصل الشّعر، وقد روى التّرمذيّ عن عبد اللّه بن عبّاس - رضي الله تعالى عنهما - قال‏:‏ «كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقصّ أو يأخذ من شاربه، وكان إبراهيم خليل الرّحمن يفعله»، وروى البيهقيّ في سننه عن شرحبيل بن مسلم الخولانيّ قال‏:‏ رأيت خمسةً من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقصّون شواربهم ويعفون لحاهم ويصغّرونها‏:‏ أبو أمامة الباهليّ، وعبد اللّه بن بسر، وعتبة بن عبد السّلميّ، والحجّاج بن عامر الثّماليّ، والمقدام بن معدي كرب الكنديّ، كانوا يقصّون شواربهم مع طرف الشّفة‏.‏ وقال المحاطيّ وغيره‏:‏ يكره حلق الشّارب‏.‏

وقال الباجوريّ‏:‏ إحفاء الشّارب بالحلق أو القصّ مكروه، والسّنّة أن يحلق منه شيئاً حتّى تظهر الشّفة، وأن يقصّ منه شيئاً ويبقي منه شيئاً‏.‏

ونقل الزّركشيّ عن أبي حامد والصّيمريّ، استحباب الإحفاء، ثمّ قال‏:‏ ولم نجد عن الشّافعيّ فيه نصّاً، وأصحابه الّذين رأيناهم كالمزنيّ والرّبيع كانا يحفيان شواربهما، فدلّ ذلك على أنّهما أخذا ذلك عنه، وقال الزّركشيّ‏:‏ وزعم الغزاليّ في الإحياء أنّه بدعة، وليس كذلك فقد رواه النّسائيّ في سننه‏.‏

ولا بأس عند الشّافعيّة بترك السّبالتين، وهما طرفا الشّارب، لفعل عمر - رضي الله عنه - وغيره، ولأنّهما لا يستران الفم، ولا يبقى فيهما غمر الطّعام إذ لا يصل إليهما‏.‏

ويكره عند الشّافعيّة، تأخير قصّ الشّارب عن وقت الحاجة، والتّأخير إلى ما بعد الأربعين أشدّ كراهةً لخبر مسلم المتقدّم‏.‏

قال في المجموع‏:‏ ومعنى الخبر أنّهم لا يؤخّرون هذه الأشياء فإن أخّروها فلا يؤخّرونها أكثر من أربعين، لا أنّ المعنى أنّهم يؤخّرونها إلى الأربعين، وقد نصّ الشّافعيّ والأصحاب على أنّه يستحبّ تقليم الأظفار والأخذ من هذه الشّعور يوم الجمعة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يسنّ قصّ الشّارب أي‏:‏ قصّ الشّعر المستدير على الشّفة، أو قصّ طرفه، وحفّه أولى نصّاً، قال في النّهاية‏:‏ إحفاء الشّوارب أن تبالغ في قصّها، ومن الشّارب السّبالان وهما طرفاه،لحديث أحمد‏:‏ «قصّوا سبالكم ووفّروا عثانينكم وخالفوا أهل الكتاب»‏.‏

وقالوا‏:‏ يسنّ الأخذ من الشّارب كلّ جمعة لما روي‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يأخذ أظفاره وشاربه كلّ جمعة» فإن تركه فوق أربعين يوماً كره لحديث أنس السّابق‏:‏

«وقّت لنا في قصّ الشّارب‏.‏‏.‏‏.‏» إلخ، وعلّلوا الأخذ من الشّارب كلّ جمعة بأنّه إذا ترك يصير وحشاً‏.‏

ثالثاً‏:‏ الأخذ من الشّارب يوم الجمعة

12 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يستحبّ لمن يريد حضور الجمعة تحسين هيئته بقصّ الشّارب وغير ذلك من الأمور المندوبة في ذلك اليوم، لحديث عبد اللّه بن عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنهما - الّذي رواه البغويّ، وقد سبق، ولأنّ الجمعة من أعظم شعائر الإسلام فاستحبّ أن يكون المقيم لها على أحسن وصف، وإظهاراً لفضيلة يوم الجمعة فإنّه كما جاء في الحديث «سيّد الأيّام»‏.‏

وذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الأخذ من الشّارب يكون قبل حضور صلاة الجمعة، ولكن الحنفيّة قالوا‏:‏ إنّ حلق الشّعر يوم الجمعة بعد الصّلاة أفضل لتناله بركة الصّلاة‏.‏

رابعاً‏:‏ إزالة الشّارب في الإحرام

13 - من محظورات الإحرام بحجّ أو عمرة إزالة الشّعر من جميع بدن المحرم ومنه الشّارب، لقول اللّه عزّ وجلّ‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ شعورها، نصّ على حلق شعر الرّأس وعدّى إلى شعر سائر البدن لأنّه في معناه، إذ حلقه يؤذن بالرّفاهية، وهو ينافي الإحرام، لكون المحرم أشعث أغبر، وقيس على الحلق النّتف والقلع ونحوهما لأنّ ذلك في معنى الحلق من حيث إزالة الشّعر، وإنّما عبّر بالحلق في الآية الكريمة لأنّه هو الغالب، أمّا ما يجب في ذلك فينظر في ‏(‏إحرام، وحلق‏)‏‏.‏

خامساً‏:‏ الأخذ من شارب الميّت

14 - إذا مات المحرم بحجّ أو عمرة فلا يؤخذ من شاربه ولا من شعره شيء، مراعاةً لإحرامه، لأنّه يظلّ عليه، ويبعث يوم القيامة ملبّيًا كما جاء في حديث «الأعرابيّ الّذي وقصته ناقته فمات وهو محرم، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ اغسلوه بماء وسدر، وكفّنوه في ثوبين، ولا تحنّطوه، ولا تخمّروا رأسه، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّياً»‏.‏

وأمّا غير المحرم من الموتى فقد اختلف في الأخذ من شاربه‏:‏ وللشّافعيّ في هذه المسألة قولان‏:‏ قال النّوويّ‏:‏ يحصل من كلام الشّافعيّة في الأخذ من شارب الميّت ثلاثة أقوال المختار‏:‏ أنّه يكره، والثّاني‏:‏ لا يكره ولا يستحبّ، والثّالث‏:‏ يستحبّ وهو قول الحنابلة، إذا كان الشّارب طويلاً لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «اصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم»‏.‏ ولأنّ تركه يقبّح منظره، ولأنّه فعل مسنون في الحياة لا مضرّة فيه فشرع بعد الموت كالغسل، وممّن استحبّه‏:‏ سعيد بن المسيّب، وابن جبير، والحسن البصريّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه‏.‏ وممّن كرهه‏:‏ أبو حنيفة، ومالك، والثّوريّ، والمزنيّ، وابن المنذر، ونقله العبدريّ، عن جمهور العلماء‏.‏

وصرّح المحامليّ وغيره من القائلين بأنّه لا يكره الأخذ من شارب الميّت بأنّ الأخذ منه يكون قبل الغسل‏.‏

وقال النّوويّ‏:‏ ولم يتعرّض الجمهور - يعني جمهور الأصحاب من الشّافعيّة - لدفن هذه الأجزاء مع الميّت، وقال صاحب العدّة‏:‏ ما يؤخذ منها يصرّ في كفنه، ووافقه القاضي حسين وصاحب التّهذيب في الشّعر المنتّف في تسريح الرّأس واللّحية، وقال به غيرهم‏.‏ وقال صاحب الحادي‏:‏ الاختيار عندنا أنّه لا يدفن معه إذ لا أصل له‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إذا أخذ الشّعر جعل معه في أكفانه، لأنّه من الميّت فيستحبّ جعله في أكفانه كأعضائه، فيغسّل ويجعل معه‏.‏

سادساً‏:‏ أخذ المعتكف من شاربه

15 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه لا يضرّ في الاعتكاف أخذ المعتكف من شاربه إذا لم يلوّث المسجد بذلك، لعدم ورود ترك ذلك عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم ولا الأمر به، والأصل بقاء الإباحة‏.‏

لكن المالكيّة ذهبوا إلى أنّه يكره للمعتكف أن يأخذ من شاربه في المسجد ولو جمع ما يأخذه في ثوبه وألقاه خارج المسجد لحرمته، فإن أخذ من شاربه في المسجد، فإنّه يبطل اعتكافه عند القائلين منهم بإبطال الاعتكاف بكلّ منهيّ عنه، ولا يبطل اعتكافه عند من خصّ الإبطال بالكبيرة‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا احتاج المعتكف إلى قصّ شاربه جاز له أن يدني رأسه لمن يأخذ من شعره ويصلحه، ولا يخرج في ذلك إلى بيته ولا إلى دكّان الحجّام، لأنّه يقدر على ذلك وهو في المسجد‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يسنّ صون المساجد عن كلّ قذر كقصّ الشّارب ونحوه‏.‏

سابعاً‏:‏ الوضوء والغسل بعد قصّ الشّارب

16 - نصّ الشّافعيّة على أنّه يسنّ الوضوء لمن قصّ شاربه، وكذلك الغسل‏.‏

ثامناً‏:‏ الجناية على الشّارب

17 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يجب بالجناية على الشّارب حكومة عدل، لأنّ الشّارب تبع‏.‏ للّحية فصار كبعض أطرافها‏.‏ وللتّفصيل ينظر ‏(‏حكومة عدل‏)‏‏.‏

شَارِبُ الخمْر

انظر‏:‏ حدود، سكر‏.‏